بلا هوية...

قدر النادي الافريقي ان يكون دوما كبيرا ضمن الكبار ورغم ان خراجه على مرّ السنوات الاخيرة لا يليق باسم وعراقة الفريق فإنّ وحدة جمهوره ووقوفه الدائم خلف الاحمر والابيض في السراء والضراء جعلا من الافريقي علامة فارقة في تاريخ الكرة التونسية بل ظاهرة في حدّ ذاتها تولد من العدم في وقت اختص فيه البقية بمعانقة الالقاب والتتويجات وامتهن فيه الافريقي البكاء على الاطلال وعلى ماضيه التليد... و بوصول سليم الرياحي الى صدارة الاحداث تغيّرت المفاهيم والنواميس في فريق باب الجديد فصار البيت ملاذ كل الفاشلين بمختلف ألوانهم وانتماءاتهم وأًصبح فريق الشعب رهين ميولات رئيسه وحبيس مزاجيته و فلسفته العقيمة وصار الفريق مرتعا لكل من هبّ ودبّ ومخبر تجارب فاشلة بامتياز إداريا و تنظيميا وكذلك رياضيا... وما يحصل الآن في الفريق يقيم الدليل على حجم الخور والوهن الذي ينهش جسد الجمعية ولعل ما عاينّاه في مباراة المرسى يكفي مؤونة التعليق...
قد يكون رئيس الافريقي أساء التقدير بما انه شرّع لنفسه قانونا جديدا يختلف كل الاختلاف عن قانون الميدان حيث طغت عليه لغة الحسابات والامتيازات والحوافز والماديات مقابل تلاشي مفردات «القليّب» والعزيمة والانتماء لهذا الصرح الكروي الكبير فكان العطاء على قدر الدعاء...وصار الافريقي مجرّد «ماكينة» أرقام بلا روح ولا هوية يسيّره مسؤولون غرباء عن الفريق لم يعرفوا الافريقي سابقا سوى في شاشات التفلزيون ولم يعاينوا تاريخه الكبير سوى في ذاكرة أبنائه الذين كانوا درعه الاوّل ومع المرور من فكرة الجمعية التي تملأ قلوب الجماهير الى مصطلح المؤسسة الرياضية الذي ينشده الرئيس تصادمت النوايا وتقاطعت الطرق بين أولاد الجمعية وجماعة مكتب البحيرة الذين يرون الافريقي شركة تجارية فيها الربح والخسارة بلا أهواء ولا انتماء فكانت النتيجة خسارة الجمعية وتحريف «الهوية» لذلك لم يعد من الغريب ان يرأس الافريقي غريب عن الديار ويكون الكاتب العام من الفريق الجار ويكون المسؤول عن الانتدابات من أحباء الصفاقسي والمستشار من أحباء البقلاوة...والمدرّب المساعد من سوسة...فسيفساء من كل الالوان والاطياف اختارها سليم الرياحي ليقطع بها مع تاريخ الافريقي وليحرّف كل عناوينه ويعزل بالتالي كل المحسوبين على الافريقي بعيدا عن محيط الفريق حتى يقال في ما بعد كلّ هذا بفضل المهدي المنتظر...لكن جرت رياح الرياحي بما لا تشتهيه ألوان الافريقي وظلّت دار لقمان على حالها تبني وتشرّع لمنظومة الفشل ولقمان يسوق الامل ولا يستحي من الملل...
قليل من الرجولية...
صحيح ان المسؤول الاوّل عن خيبات النادي الافريقي في الموسمين الاخيرين هو سليم الرياحي بما انه صاحب القرار ومركز الثقل الاول في الفريق وهو الذي يعزل وينصّب حسب رغباته وميولاته فهو الذي يتعاقد مع المدربين ويغيّر المسؤولين وهو الذي يوصد بابا ويفتح آخر دون مراعاة لحرمة الفريق لكن هذا لا يعني ان اللاعبين بمنأى عمّا سبق فهم يتحملون بدورهم قسطا وافرا مما حصل ولو كانوا أكثر حرصا على مصلحة الفريق وعلى سمعة القميص الذي يرتدونه لما أمكن للمرسى الصعود على أنقاضهم ولما ضاع حلم اللقب بين عشية وضحاها...قد تكون الرسومات التكتيكية والقراءات الفنية الخاطئة وراء تدهور نتائج الفريق وقد تكون سنة تغيير المدرّبين التي يتبناها الرئيس سببا مباشرا في تدني مستوى الفريق لكن كان بإمكان الحصيلة أن تكون أقلّ سوءا لو حضرت «القرينتة» والعزيمة وقليل من الرجولية في نفوس اللاعبين الذين رموا المنديل بسهولة واختاروا الهروب من سباق الابطال...
عيب النادي الافريقي في نسخته الحالية انه يفتقد لجنود حقيقيين يقاتلون من أجل قميصه وحظوظه حتى الدقيقة التسعين...جنود على غرار المرحوم لسعد الورتاني وغيره ممن كانوا لا يدخرون حبة عرق من أجل إسعاد الانصار وإعلاء راية الفريق وليسوا مرتزقة عابري سبيل كل ما يشغلهم هو البريمات ومنح الفوز وتجديد العقود... النادي الافريقي يدفع الآن ضريبة غياب الانتماء وضياع الهوية تحت غطاء منظومة احترافية مغلوطة لا وجود لها إلاّ في مخيلة أًصحابها...منظومة عليلة تقوم على أساس الولاء لمن يدفع أكثر تزكّي أخطاء الرئيس وتبارك هفواته الكثيرة في حين يبقى الافريقي فقط مجرّد بساط الريح الذي سيحقّق طموحات الرئيس غير المشروعة...
سيتواصل النزيف في الافريقي طالما يتنصل الكلّ من المسؤولية وطالما تغيب العزيمة والرجولية في نفوس اللاعبين والمسؤولين على حدّ السواء وعلى أمل أن ينصلح الحال على الرئيس ان يتخلّص من الاوهام و يفهم انّ البناء في حديقة الافريقي لن يثمر طالما أنّ ألوانه سوداء فالأرض تحبس ثمارها و لا تطرح غبارها الاّ في وجه الغرباء...
العربي الوسلاتي
Aucun commentaire :
Enregistrer un commentaire